اللصُّ الفقيه!
كانَ عبدُ الملك بن الماجشون تلميذاً للإمامِ مالك، وكانَ فقيهاً عابداً
وَلِيَ إفتاء المدينةِ المُنورة، فجاءه بعض أصحابه مرةً وقالَ له: يا عبد الملك، أُعجوبة والله!
فقالَ له: وما هي؟
فقال: خرجتُ إلى بستاني، ولمَّا صرتُ بعيداً عن البيوتِ اعترضني رجل وقال: اخلعْ ثيابك!
فقلتُ: وما يدعوني إلى خلعِ ثيابي؟
فقال: لأني أخوكَ وأنا عريان وأنتَ مُكْتَسٍ، وقد لبسْتَها ما يكفي وهي الآن لي!
قلتُ: فتُعريني، وتُبدي عورتي؟
فقال: لا بأسَ بذلك، فقد سمعنا عن الإمامِ مالك قوله: لا بأسَ أن يغتسلَ الرجلُ عرياناً!
قلتُ: فيَلقاني الناسُ ويرون عورتي؟
فقال: ما هذا موضع ناس وإلا ما اعترضْتُكَ فيه!
فقلتُ: دعني أصل إلى بستاني، فأخلعُ ثيابي وأُرسلها إليكَ!
فقال: كلا، إنما تُريدُ أن تبعثَ بغلمانكَ فيقتادوني إلى السُلطان.
قلتُ: كلا، وإني أحلفُ لكَ.
فقال: كلا، فقد سمعنا عن الإمامِ مالك أنَّ الأَيْمان التي يُحْلَفُ بها لِلُّصُوصِ لا تُلزم أصحابها.
قلتُ: أحلفُ لكَ أني لا أحتالُ في يميني هذه
ففكرَ ساعة، ثم قال: لقد تأملتُ أمرَ اللصوصِ من عهدِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى اليوم فلم أجدْ لِصاً أخذ نسيئة، وإني أكره أن أبتدعَ في الإسلام، اِخلعْ ثيابك!
فخلعْتُها ودفعْتُها إليه!
لِلوهلةِ الأولى قد تبدو هذه القصة طريفة، ويبدو هذا اللص أُعجوبة، ولكن في الحقيقةِ جميعنا فينا شيء من هذا اللصِ الفقيه!
ما أعنيه أننا لا نرتكب الأخطاء والذنوب بسببِ قلةِ العِلم، ولا غيابِ الحُكم الشرعي عنا، وإنما بسببِ قلةِ التقوى، وفي لحظةِ غياب الورع، وهذا شيءٌ طبيعيٌ بالمناسبة، كلنا ذو ذنبٍ، وسِمة الناسِ الخطأ، ولكن المؤمن يُسارعُ في العودةِ والإنابةِ والاستغفار، والفاجر يُصِرُّ ويستكبر ويُدبِر!
إبليسُ من أَعْلَمِ الخلقِ بالحلالِ والحرام، ولكن علمه لم ينفعه، كانَ الكِبر مقتله!
وفرعون كانَ يعرفُ أنَّه كذاب، والنمرودُ كانَ يعرفُ أنه أحقر من أن يخلقَ ذُبابة، والذين حرَّفوا التوراة كانوا أعلم الناس بها!
ما أعنيه أننا أحياناً نحتاجُ إلى كثيرٍ من الوَرَعِ والخِشيةِ والتَّقوى نُزينُ به هذا العلم الذي نعلمه!