رسالة الإمام عليّ عليه السلام إِلى معاوية و مَن معه من الناس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ إِلى مُعَاوِيَةَ وَ مَنْ قِبَلَهُ مِنْ النَّاسِ .فَإِنّي أَحْمُدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ للَّهِ عِبَاداً آمَنُوا بِالتَّنْزيلِ ، وَ عَرَفُوا التَّأْويلَ ، وَ تَفَقَّهُوا فِي الدّينِ ، وَ بَيَّنَ اللَّهُ فَضْلَهُمْ فِي الْقُرْآنِ الْحَكيمِ ، وَ أَنْتَ ، يَا مُعَاوِيَةُ وَ أَبُوكَ وَ أَهْلُكَ ، في ذَلِكَ الزَّمَانِ أَعْدَاءُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ،
مُكَذِّبُونَ بِالْكِتَابِ الْمُبينِ ، مُجْتَمِعُونَ عَلى حَرْبِ الْمُسْلِمينَ ، مَنْ ثَقِفْتُمْ مِنْهُمْ حَبَسْتُمُوهُ أَوْ عَذَّبْتُمُوهُ أَوْ قَتَلْتُمُوهُ .
وَ لَمَّا أَدْخَلَ اللَّهُ تَعَالى الْعَرَبَ في دينِهِ أَفْوَاجاً ، وَ أَسْلَمَتْ لَهُ هذِهِ الأُمَّةُ طَوْعاً وَ كَرْهاً ، كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الدّينِ إِمَّا رَهْبَةً وَ إِمَّا رَغْبَةً ، عَلى حينَ فَازَ أَهْلُ السَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ ، وَ ذَهَبَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ .
فَلاَ يَنْبَغي لِمَنْ لَيْسَتْ لَهُ مِثْلُ سَوَابِقِهِمْ فِي الدّينِ ، وَ لاَ فَضَائِلِهِمْ فِي الإِسْلاَمِ ، أَنْ يُنَازِعَهُمُ الأَمْرَ الَّذي هُمْ أَهْلُهُ وَ أَوْلى بِهِ ، فَيَحُوبَ بِظُلْمٍ.
وَ لاَ يَنْبَغي لِمَنْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ أَنْ يَجْهَلَ أَمْرَهُ وَ قَدْرَهُ ، وَ لاَ أَنْ يَعْدُوَ حَدَّهُ وَ طَوْرَهُ ، وَ لاَ أَنْ يُشْقِيَ نَفْسَهُ بِالْتِمَاسِ مَا لَيْسَ لَهُ وَ لاَ بِأَهْلِهِ .
ثُمَّ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِأَمْرِ هذِهِ الأُمَّةِ قَديماً وَ حَديثاً أَقْرَبُهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ،
وَ أَعْلَمُهُم بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ أَفْقَهُهُمْ فِي دينِ اللَّهِ ، وَ أَوَّلُهُمْ إِسْلاَماً ، وَ أَفْضَلُهُمْ جِهَاداً ، وَ أَشَدُّهُمْ بِمَا تَحْمِلُهُ الأَئِمَّةُ مِنْ أَمْرِ الأُمَّةِ اضْطِلاَعاً.
فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، وَ لاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 1 .
وَ اعْلَمُوا أَنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الَّذينَ يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ ، وَ أَنَّ شِرَارَ عِبَادِ اللَّهِ الَّذينَ يُنَازِعُونَ بِالْجَهْلِ أَهْلَ الْعِلْمِ .
فَإِنَّ لِلْعَالِمِ بِعِلْمِهِ فَضْلاً ، وَ إِنَّ الْجَاهِلَ لَنْ يَزْدَادَ بِمُنَازَعَتِهِ الْعَالِمَ إِلاَّ جَهْلاً .
أَلاَ وَ إِنّي أَدْعُوكُمْ إِلى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ حَقْنِ دِمَاءِ هذِهِ الأُمَّةِ ، فَإِنْ قَبِلْتُمْ أَصَبْتُم رُشْدَكُمْ ، وَ اهْتَدَيْتُمْ لِحَظِّكُمْ ، وَ إِنْ أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْفُرْقَةَ وَ شَقَّ عَصَا هذِهِ الأُمَّةِ ، فَلَنْ تَزْدَادُوا مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْداً ، وَ لَنْ يَزْدَادَ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ إِلاَّ سَخَطاً . وَ السَّلامُ